mardi 29 mai 2012
غواصون سعوديون يبنون أول مسجد تحت سطح البحر
بنى غواصون سعوديون هواة مسجدًا تحت الماء في شواطئ مقناء بمنطقة تبوك (شمال السعودية)، أطلق عليه اسم "مسجد التوحيد".
وأوضح المشرف على إقامة المسجد الغواص حمدان بن سالم الجنك المسعودي، في تصريحات لصحيفة (المدينة) السعودية الصادرة الأحد 6 مايو/أيار 2012؛ أن بداية الفكرة كانت في الصيف الماضي.
وأضاف: "صُمِّمت الفكرة وطُبِّقت خارج البحر أولاً، وهي تعتمد على تمرير مواسير بلاستيكية حجم أربع بوصات في المياه ثم عمل فتحات من الأعلى لكي تملأ بالرمل من أجل ضمان اتزان المسجد داخل البحر".
وبعد تثبيته والانتهاء من البناء الذي وافق دخول صلاة العصر، أقيمت الصلاة جماعة في أول مسجد في التاريخ يقام تحت سطح البحر
وأوضح المشرف على إقامة المسجد الغواص حمدان بن سالم الجنك المسعودي، في تصريحات لصحيفة (المدينة) السعودية الصادرة الأحد 6 مايو/أيار 2012؛ أن بداية الفكرة كانت في الصيف الماضي.
وأضاف: "صُمِّمت الفكرة وطُبِّقت خارج البحر أولاً، وهي تعتمد على تمرير مواسير بلاستيكية حجم أربع بوصات في المياه ثم عمل فتحات من الأعلى لكي تملأ بالرمل من أجل ضمان اتزان المسجد داخل البحر".
وبعد تثبيته والانتهاء من البناء الذي وافق دخول صلاة العصر، أقيمت الصلاة جماعة في أول مسجد في التاريخ يقام تحت سطح البحر
كيف تكون صديقًا لأولادك؟
للعلماء تعريفات طريفة للصداقة تدل على مدى أهميتها، يقول أبوهلال العسكري: «الصداقة: اتفاق الضمائر على المودة، فإذا أضمر كل واحد من الرجلين مودة صاحبه فصار باطنه فيها كظاهره سميا صديقين».
وقال أيضًا: «الصداقة قوة المودة، مأخوذة من الشيء الصدق، وهو الصلب القوي، وقال أبو علي- رحمه الله-: الصداقة: اتفاق القلوب على المودة».
فمحور الصداقة وما يقوم عليه هو المودة المتبادلة، وهي أمر غير متكلّف، لأنه أمر قلبي، فإن اكتفيتَ باللسان عن التعبير عن الصداقة فهي صداقة واهية لا تصمد أمام الأحداث.
والصديق هو من صدق المودة والنصيحة للصديق، فالصداقة ليست مودة فحسب، ولكنها مودة ونصيحة، فبالنصيحة تقوم العيوب التي قد توجد في الصديق، ولكنها نصيحة مغلفة بغلاف من المودة والرفق، وليست نصيحة غليظة جافية تنفِّر القلوب وتباعد بين الأبدان.
تربية الأبناء بين الإفراط والتفريط
تقع تربية الأبناء على الوالدين أولا، ثم على المربين والمؤدبين، وليست التربية أن تطعِم ولدك وتكسوه فقط، فالتربية أعظم من ذلك وأجلّ، يقول الإمام الغزالي: «الصبي أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة، خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل ما نُقِش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلمٍ له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له».
أما الأب الذي يكدح في الدنيا وكل همّه أن يوفر لولده المأكل والمشرب الحسن، والملبس الجميل لا غير، مهملًا تربية ولده على الأخلاق الحميدة، فإن ولده يعتبر يتيمًا، وصدق أحمد شوقي حين قال:
ليس اليتيمُ من انتهى أبواه من همِّ الحياةِ وخلَّفاه ذليلًا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أمًّا تخلَّت أو أبًا مشغولًا
وقد يقع من الآباء والمربين أثناء تربية أولادهم إفراط أو تفريط، فمثلًا يربي أحدهم ولده على الجبن، وذلك بكثرة تخويفه من الغيلان أو أمثالها، أو يقوم الآخر بتربية ولده على التهور، بل والاعتداء على الآخرين بدعوى أن تلك هي الشجاعة، والأمر على عكس ذلك.
أو يربي أحدهم ولده على الترفه والتنعم فلا يرد له طلبًا، ويقتّر الآخر على ولده أشد التقتير، حتى يشعر ولده بالنقص عن الآخرين.. أو يربي أحدهم ولده بالقسوة والشدة والغلظة، والآخر بالتساهل الشديد، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ولكن التوسط في الأمور هو الصواب، فلا إفراط أو تفريط، وكما قيل: «خير الأمور أوساطها».
أثر صداقة الأبناء في التربية السليمةكل مرحلة سنية لها ما يناسبها من مراحل التربية، وقد فطن لهذا عبدالملك بن مروان فقال: «لاعب ولدك سبعًا، وأدبه سبعًا، واستصحبه سبعًا، فإن أفلح فألق حبله على غاربه».
فآخر مرحلة من مراحل التربية هي الصحبة أو الصداقة، وتكون بعد أن كبر الولد ونما عقله، وأصبحت له شخصيته المستقلة التي يحاول إبرازها وإظهارها بين الناس، وتلك هي مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حرجة وحساسة في حياة الأولاد، لأنه يكون متقلب المزاج، حاد الطباع، ويكون التمرد والعناد سمة ملازمة له، ففي هذه المرحلة لا يكون النصح والتوجيه بطريقة الأمر والإلزام؛ لأن الولد قد لا يستجيب، ولكن الصداقة هاهنا هي التي تحل المشكلة، وتجعلك قريبًا من ولدك، يُسِر إليك بمشاكله، يرجو أن يكون عندك الحل لها، فإنك إن لم تقترب منه آنذاك فإنه يبحث عمن يفضفض معه، ويتجاذب معه أطراف الحديث، وقد يكون من يفضي إليه ليس هو الاختيار المناسب، فتقع المشاكل وتزداد.
كيف تصبح صديقًا لابنك؟
يقول أبو الفضل الوليد:
أراني ضعيفًا في الصداقةِ والهوى إذا ضنَّ أحبابي أجودُ وأسمَحوإن بعدوا عنّي دَنوتُ مُصافحًا وإن أذنبوا عمدًا فأعفو وأصفَح
لقد عرف هذا الشاعر مفاتيح الصداقة، فإن لكل شيء مفتاحًا ينفتح به، فإذا أخطأت المفتاح ظل الباب مغلقًا عليك، وإذا قسوت انكسر المفتاح أو الباب، وعندئذٍ تكون الخسارة، لأنه من الصعوبة أن يعود الأمر كما كان.
وقلنا: إن مرحلة الصداقة تكون في طور مرحلة المراهقة، وهي مرحلة التمييز لدى الأولاد التي يشعرون فيها بذواتهم، ويريدون أن يظهروا بين زملائهم بأحسن لباس وأجوده، فهنا على الوالد الصديق ألا يبخل على ولده، أو يظنه طفلًا فيختار له ما لا يرغب ولده فيه.. وهذه بعض الأمور التي نرى أنها تجعل الآباء أصدقاء لأولادهم :
1- اترك له مساحة من الحرية، فالطفل في مراحله المتقدمة مثلًا يلبس ما يُلبسه إياه أبواه، وما يشتريانه له، ولكن هاهنا اترك لولدك حرية الاختيار، مع التوجيه غير المباشر، إن وجدتَ سوءًا في الاختيار.
2- اجعل الحوار سمة الحديث بينكما، فالولد في هذه المرحلة يحتاج إلى من يتجاذب معه أطراف الحديث، فكن أنت أيها الوالد وأيتها الوالدة هذا الطرف، وابدأ أنت مع ولدك فكلّمه عن أخبارك وأحوالك، ومشاكلك في العمل، ورؤيتك للتعامل مع المستقبل، وكيفية تدبيرك للبيت، فلا تكن كأنك محقق مع ولدك، وتريد أن يكتب لك تقريرًا عن حياته ومشاكله، ولكن ببدئك بالحكاية تجد ولدك تلقائيًّا يبدأ في الحديث عن نفسه وعن مشاغله واهتماماته ومشاكله.
3- لا تسفّه آراءه.. فإذا تكلم ولدك معك فلا تسفه رأيه دائمًا، وتظهره دائمًا بمظهر من لا يفهم الأمور ولا يدركها، ولكن وضّح له الأمور، وأظهر له ما كان غافلًا عنه.
4- لا تهوّن من إمكاناته، فولدك في هذه المرحلة يمكن الاعتماد عليه إلى حدٍّ ما، فوسّد إليه بعض الأعمال، وشجعه على أدائها، ولكن لا تظهره بمظهر العاجز الذي لا يستطيع فعل شيء بدونك.
5- شجّعه على تصرفاته الحسنة، فالكلمة لها مفعول السحر، والكلمة الطيبة والثناء الحسن يدفعان ولدك لبذل ما في وسعه لأداء ما طُلب منه، والكلمة المحبطة تقعده عن العمل، وتسبب له جرحًا في نفسه قد لا تداويه الأيام، لذا وسّد له بعض الأفعال التي يقدر على فعلها، ثم شجعه إن أحسن، ولا تعنفه إن أخطأ.
6- إياك والضرب، يخطئ كثير من الآباء الذين لا يزالون يضربون أبناءهم في هذه المرحلة، فالطفل قد تضربه في صغره للتأديب، ثم إن أحسنت إليه وأرضيته نسي ما قد ضرب عليه، ولكن الضرب في هذه المرحلة يترك جرحًا غائرًا قد يدفع الولد للرد على أبيه بغلظة، أو يترك له البيت، أو يزداد في عناده فلا ينتهي عما أمره أبوه بالانتهاء عنه. ثم هل يضرب الصديق صديقه؟ فهذا غير معقول.
7- أشركه في قرارات البيت.. في تلك المرحلة حمّل ولدك المسؤولية، فمثلًا أشركه في قرارات البيت المصيرية كزواج أخته، فتسأله عن رأيه في المتقدم لخطبة أخته، أو تشركه في ميزانية البيت، فيعرف مقدار الدخل فيحاول أن يصرف على قدر الطاقة.
8- لا تحرجه أمام زملائه، فكثيرًا ما يخطئ الآباء بتجريح أبنائهم بالسب والشتم أو الضرب أمام زملائهم، وهذا يجعل الولد ساخطًا على أبيه أو أمه، وعليه.. إذا أخطأ ولدك فعاتبه بنظرة أو بكلمة أو ما شاكل ذلك فإنه يعي الأمر.
9- عامله كما تعامل أصحابه، من المفارقات العجيبة أن الآباء يكونون قريبين من أصحاب أبنائهم، فيشكُون إليهم ويفيضون في الحديث معهم، ويترفقون في الكلام معهم، على العكس مما يفعلون مع أبنائهم، لذا فإن ابنك أولى برفق الحديث ولينه من صاحبه.
من دلائل النبوة شفاء المرضى
أجرى الله ـ تبارك وتعالى ـ على يد أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدلائل القاطعات ما يدل على صدق دعواهم أنهم رسل الله ، قال الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}(الحديد: من الآية25) .. ولما أرسل الله نبيه عيسى ـ عليه السلام ـ آتاه من الآيات والمعجزات ما يقيم به الحجة على بني إسرائيل ، ومن ذلك إبراء الله الأكمه والأبرص على يديه كما قال تعالى : { وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي }(المائدة: من الآية110) ..وكذلك أيد الله خاتم أنبيائه وأفضل رسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمثل هذا الدليل وهذه المعجزة ، حين شفى على يديه وبِرِيقهِ ونفثه (نفخ بلا ريق) بعضا من أصحابه .. فالله ـ عز وجل ـ الشافي ، وهو الذي جعل ريقه ونفثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببا في الشفاء ، ليكون برهانا على ما أكرم الله به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكرامات والدلائل العظيمة ، بيانا لعلو منزلته ، وتأييداً لدعوته ، وتصديقا لنبوته ..والأمثلة في ذلك كثيرة ، منها :
عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم خيبر : (لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون (يتحدثون) ليلتهم أيهم يُعْطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يرجوا أن يعطاها ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أين علي بن أبي طالب ؟ ، فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأُتِيَ به فبصق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية )(البخاري)..
وفي رواية لابن ماجه أن عليا ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، قلت : يا رسول الله إني أرمد العين ، فتفل في عيني ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، قال : فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ )
وعند بريدة في الدلائل للبيهقي : " فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات " ..
وعند الطبراني من حديث علي : " فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليَّ الراية يوم خيبر .." ..
قال الشوكاني : " فيه معجزة ظاهرة للنبي " ..
وعن يزيد بن أبي عبيد ـ رضي الله عنه ـ قال : ( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : ياأبا مسلم ما هذه الضربة ؟ ، فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال الناس : أصيب سلمة ، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة)(البخاري).
ويرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدَ الله بن عتيك ورجالاً من الأنصار لاغتيال سلام بن أبي الحُقَيق الذي آذى الله ورسوله ، وبينما عبد الله بن عتيك في طريق العودة وقع فانكسرت ساقه ، فعصبها بعمامة ، ثم يقول ابن عتيك : فانتهيت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : ( ابسط رجلك ، فبسطت رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أشتكِها قط )(البخاري) .
وذكرالبيهقي في دلائل النبوة : عن حبيب بن يساف ـ رضي الله عنه ـ قال : " شهدت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي فتعلقت يدي ، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت ، وقتلت الذي ضربني " ..
وروى ابن حبان : عن عبد الله بن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت أبي يقول : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله فبرأ ..إن جموع الصحابة التي شاهدت سلمة ـ رضي الله عنه ـ يشتكي ساقه ثم رأوه لا يشتكي منها ألما ولا وجعا ، ورأت عليا ـ رضي الله عنه ـ يشتكي عينيه ثم يبرأ منها ، وشاهدت عبد الله بن عتيك ـ رضي الله عنه ـ تنكسر ساقه ثم يبرأ ولا يشعر بألم ـ وكل ذلك بريقه ونفثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لا يسعهم ـ ومن يأتي بعدهم ـ إلا أن يشهدوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعلو المنزلة والمكانة ، وبالنبوة والرسالة ..
الله جل جلاله وتقدست أسماؤه
لفظ الجلالة (الله) هو أوّل الأسماء الحسنى التي نبتديء الحديث عنها، بل هو في الحقيقة أعظمها على الإطلاق، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنْزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات.الأصل في الاشتقاق:اختلف العلماء في بيان الأصل اللغوي للفظ الجلالة (الله)، وكان اختلافهم حول مسألة اشتقاقه ابتداءً إن كان مشتقّاً أم لا؟ وإن كان مشتقّاً فما هي الكلمة التي اشتقّ منها؟ والراجح من كلامهم أن لفظ الجلالة (الله) مشتقّ من (إله)، وهو الذي تألهه القلوب وتعبده.يقول الإمام الطبري: " "الله" أصله "الإله"، أسقطت الهمزةُ التي هي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين الاسم، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة، فأدغمت في الأخرى التي هي عين الاسم، فصارتا في اللفظ لامًا واحدة مشددة".المعنى الاصطلاحيلفظ الجلالة (الله) هو الاسم الجامع لمعاني الألوهية، الدال على استحقاقه للعبوديّة، وقد عبّر الإمام الغزالي عن هذا المعنى بقوله: اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية، وأولى منه تفسير ابن عباس رضي الله عنه للفظ الجلالة حيث قال: " الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين" فقد جمع في تفسيره بين أمرين: بين صفة الله الدالة عليه –وهي الألوهيّة- وبين الصفة المتعلّقة بالعباد من هذا الاسم –وهي العبوديّة-.
خصائص هذا الاسم على الإجمالتميّز لفظ الجلالة عن غيره من الأسماء بالكثير من الخصائص، ومن جملة ذلك: أن الله سبحانه وتعالى لمّا أراد تعريف ذاته العليّة لنبيّه موسى عليه السلام، خصّ اسمه (الله) بالذكر من بين جميع أسمائه الأخرى ليعرّف نفسه، فقال تعالى:{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني}(طه:14).ومن الخصائص: أن لفظ الجلالة (الله) هو الأصل لجميع أسماء الله الحسنى مما عداه، قال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180)، وفي آية أخرى: { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} (طه:8)، ثم إن سائر الأسماء تُضاف إلى هذا الاسم وتوصف به، فهي تبعٌ لهذا الاسم، ولذلك نقول: الملك من أسماء الله تعالى، والعزيز من أسماء الله سبحانه، ولا نقول: الله من أسماء العزيز، ولم تجرِ العادة بذلك.ومن جملة الخصائص: أن لفظ الجلالة (الله) يدلّ على جميع المعاني التي تضمّنتها أسماء الله الحسنى، بما احتوته من الجلال والكمال والعظمة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة، والاتصاف بالإحسان، والجود والبرّ، والرأفة واللطف.ويفسّر الإمام ابن القيّم ذلك بأن لفظ الجلالة دالٌّ على ألوهيّته سبحانه وتعالى، وألوهيّته متضمنة لثبوت صفات الكمال كلّها، المنزهة عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص، وإنما الأسماء الحسنى تفصيلٌ وبيانٌ لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله.وعلى أحد الأقوال في المسألة فإن لفظ الجلالة هو اسم الله الأعظم، وقد تبنّى هذا الرأي الإمام الشعبي وأبو حنيفة والطحاوي وغيرهم، واستدلّوا بأدلّة كثيرة كان منها قول جابر بن عبد الله بن زيد أنه قال:اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع أنه يقول:{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم} (الحشر:22).ومن الناحية اللغوية، يُذكر من خصائص لفظ الجلالة (الله) أنّ اللام والألف فيها يُعتبران من بُنية الكلمة، فلا يمكن الاستغناء عنهما، فأنت تقول: يا الله، في حين تسقط الألف واللام حين النداء بسائر الأسماء الحسنى الأخرى، فتقول: يا قدّوس، ولا تقول: يا القدّوس.ويذكر الإمام القرطبي لطيفةٌ تتعلّق بهذا الاسم، فقد لاحظ أن هذا الإسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام ولم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا، وقد قال قوم نوح: {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} (المؤمنون:24) الآية، وقال قوم هود: {أجئتنا لنعبد الله وحده} (الأعراف:70)، وقالوا: {إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً} (المؤمنون:38)، وأشباهها من الآيات.وتبقى الإشارة إلى اقتران هذا الاسم الإلهي بعامة ما شُرع لنا من الأذكار والمحامد، والبسملة والتسبيحات ونحوها، فنقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، ونقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله، ونقول: بسم الله، وهو الاسم الذي يُفتتح به كلّ أمرٍ تبرّكاً وتيمّناً، ولذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يفتتح رسائله بالبسملة المشتملةِ أوّلاً على لفظ الجلالة (الله)، ولم يتسم بهذا الاسم غير الله تعالى ولذلك قال: {هل تعلم له سميا} (مريم: 65)، وهو الاسم الذي إذا ارتفع من الأرض قامت الساعة، بدلالة حديث: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) رواه أحمد.أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّةلم يتكرّر اسم من أسماء الله تعالى في القرآن وفي السنّة كما تكرّر لفظ الجلالة (الله)، وقد استقرأ عددٌ من العلماء مواطن ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم فوجدها تربو على ألفين ومائتي مرّة، وهذا العدد لم يقاربه أي اسم آخر من أسماء الله الحسنى، كما أن الله تبارك وتعالى افتتح به ثلاثاً وثلاثين آية.ونذكر هنا على سبيل المثال عدداً من الآيات التي ذُكر فيها هذا الاسم، ومنها قوله تعالى:{الحمد لله رب العالمين} (الفاتحة:2)، وقوله تعالى:{ واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (النساء:1)، وقوله تعالى:{ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها} (الرعد:2)، وقوله تعالى: { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} (الشورى:17)، وقوله تعالى: { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، إلى غير ذلك من الآيات.ومن الأحاديث، قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله- وفي رواية: على أن يوحّد الله-, وأن محمدا رسول الله.) رواه البخاري ومسلم، وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت) رواه النسائي في السنن الكبرى، وقوله حين الاستسقاء: (اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث) رواه أبو داود.فسبحان من تسمّى بهذا الاسم الذي ما كان في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أغناه، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره.
خصائص هذا الاسم على الإجمال
ثمرات الإيمان بالكتب السماوية
وبالتأمل في واقع هذه الكتب السماوية ومضامينها، وتوزيعها الزمني والمكاني، وعند النظر في تتابعها ومراحل تنزيلها، ومواقف المكلّفين منها يستخرج المؤمن جملةً من الدروس والفوائد التي تعود عليه بالنفع في واقعه ومآله، ودنياه وآخرته.
فمن ذلك: استشعار نعم الله على عباده وآلائه التي لا تُعد ولا تحصى، فقد جعل لهم كتباً تهديهم سبل الرشاد، وتُخرجهم من الظلمات إلى النور، فلم يتركهم هملاً تتخطفهم الأهواء والشهوات، وتتقاذفهم الميول والرغبات، ولم يجعلهم بلا هادٍ يعينهم ولا دليلٍ يُرشدهم، بل هيّأ لهم من الأسباب ما يصلح أمرهم ويسدد وجهتم، ولابدّ للناس من مرجعٍ ثابتٍ للحق يثوبون إليه ويردون حياضه، ليكون حجّة دامغةً، ورحمةً واسعةً، وذكرى لمن كان له قلب، ونوراً للأبصار والبصائر.
ولن يقدِّر العبد ما أسبغ الله عليه من نعمة الإيمان به، وما يتبعه من إيمان بما أنزله من كتب إلا عندما يتأمل حال من حُرم هذه النعم، وحال من كان يحيا حياة الغيّ والضلال، لا يدري ما الهدف من سيره، وما هي الغاية التي يسعى إليها في حياته، قال تعالى: { أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم } (الملك:22) وقال أيضاً في حق الضالين عن هديه: { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون }( الأعراف:179).
ومن ثمرات الإيمان بالكتب السماوية - علاوة على ما ذكر - أنه يمنح المؤمن الشعور بالراحة والطمأنينة، وذلك بمعرفته أن الله سبحانه قد أنزل على كل قوم من الشرائع ما يناسب حالهم، ويحقق حاجتهم، ويهديهم لما فيه صلاح أمرهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } (المائدة: 48)، فإذا كان المؤمن على بينة من هذه السنة الإلهية ازداد إيماناً مع إيمانه، ويقيناً فوق يقينه، فيزداد حباً لربه ومعرفة له وتعظيماً لقدره، فتنطلق جوارحه عاملة بأوامر الله، فتتحقق الغاية العظيمة من الإيمان بالكتب - وهي العمل بما فيها - فينال ثمرة هذا الإيمان سعادة في الدنيا وفوزاً في الآخرة، وقد وعد الله عز وجل العاملين بشرعه الخير والبركات في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }(الأعراف:96) وقال أيضاً: { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون }(المائدة:66).
وفي اتفاق الكتب السماوية على رسالة التوحيد وتقرير أصول الإيمان، ونبذ الشرك والتحذير من مسالكه وذكر عاقبة الفريقين تنبيهٌ على أهميّة العقيدة، وبيانٌ لوحدة الرسالات في الأصول والأهداف، ليعلم المؤمن أن الغاية واحدة، والمنبع واحد، والدين واحدٌ مهما اختلفت مسميّاته، وهو دين الإسلام، قال سبحانه وتعالى: { إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران:19) والإسلام هنا بمعناه العام من المعتقد والقيم الثابتة، وفي هذا الإطار نجد أن الكتب السماويّة يصدّق بعضها بعضاً، ويؤكّد اللاحق منها ما قرّره السابق، وهذا التصديق مذكورٌ في عددٍ من آي القرآن الكريم، منها قوله تعالى: { وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة} ( المائدة : 46) وقوله تعالى : { والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير } ( فاطر : 31)، وبهذا يعلم المسلم أن دينه ضارب في عمق التاريخ حتى آدم عليه السلام: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} (البقرة: 213)، والكتاب هنا اسم جنس يشمل كل ما نزل.
وفيما عدا الأصول تختلف الكتب السماوية في الشرائع والأحكام، والثمرة التي يجنيها المسلم من إدراك ذلك استجلاء الحكمة الإلهيّة الشاملة حيث جعل لكل قومٍ ما يُناسب زمانهم ومكانهم وطباعهم، قال تعالى:{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } (المائدة: 48)، وكان من مقتضى ذلك أن يحدث النسخ بين الكتب السماوية المختلفة، فجاء نسخ التوراة لبعض شرائع الإنجيل ، جاء في الآية الكريمة: { و مصدقا لما بين يدي من التوراة و لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} ( آل عمران : 50) ، ونسخت آيات القرآن الكثير من الأحكام الواردة في الكتب السماويّة السابقة كما هو معلوم، وهذا النسخ الحاصل بين هذه الكتب يبيّن أن ما كان منسوخاً فخيريّته و نفعه محدد بالزمان الذي كُلّف العباد به في وقته، كما أنه يُظهر التدريج الذي حصل في الأحكام، وإذا كانت شريعة الإسلام نسخت إجمالاً شرائع من كان قبلنا علمنا أن النسخ ليس مما يعسر فهمه داخل شريعتنا أيضا.
فالحاصل أن الإسلام رسالة للعالمين سفراؤها الأنبياء، ودساتيرها عبر الزمان كتبهم التي لم تزل ينسخ بعضها بعضا، حتى نسخت جميعها بالكتاب المهيمن الذي شرّف الله به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك ردٌّ على دعاة المذاهب الباطلة الذين زوّروا التاريخ وقصروا شخصيّاته على الملوك والجبابرة مع إغفالٍ متعمّد عن تاريخ النبوة والكتاب.
وفي إنزال الكتب السماويّة إظهارٌ لعظمة الأنبياء الذين اختصّهم الله تعالى بهذه المزيّة، فتظهر فضيلة إبراهيم عليه السلام بالصحف،وموسى عليه السلام بالتوراة، وعيسى عليه السلام بالإنجيل،وداوود عليه السلام بالزبور، ومحمد -صلى الله عليه وسلّم- بالقرآن، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} (البقرة: 253).
ويستلزم الإيمان بالكتب السماويّة الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى لم يزل متكلّماً على وجه الحقيقة مع من يشاء من خلقه، بعيداً عن تأويل المبطلين وجفاء الغالين وانحراف كل من نفى صفة من صفات الباري أو عطّلها، فإنه سبحانه وصف وحيه لموسى عليه السلام بقوله:{وكلّم الله موسى تكليماً} ( النساء: 164).
ومن جملة ما نستفيده كذلك إظهار نعمة الله العظيمة على هذه الأمة حيث جعل كتابها المنزل عليها مشتملاً على إرث الكتب السابقة، فكل ما فيها من نور وهدى، وخير وصلاح، وحكمة ورشاد، فللقرآن منها نصيبٌ وافرٌ وزيادة فضل، وهذا من التوريث المذكور في قوله تعالى:{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (فاطر:32)، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: " وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- القرآن، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة ، فكأنه ورّث أمة محمد عليه الصلاة والسلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا".
ومما نستفيده أيضاً إدراك أن أمم الأرض لم تزل تُبعث فيها الأنبياء وتتنزّل عليها الكتب؛ ليقوم الناس بالقسط، ولتحيا القلوب بالمواعظ الإلهيّة وتقوم الحياة بالأحكام الشرعيّة، وهذه البصائر المنزلة لم تنقطع عن الخليقة إقامةً للحجّة عليهم، مما يؤكّد سذاجة أرباب الفكر المادي عند تناولهم لقصّة الحضارة بأن البشر تدرّجوا من أطوارٍ بدائيّة عاشوا خلالها دهوراً كالبهائم دون هدايةٍ من الله ولا إرشاد!.
ودرسٌ آخر يقدّمه الإيمان بالكتب السماويّة، وهو أن من شرائع الدين ما لا يسعنا فيه إلا الإيمان المجمل دون أن نتكلّف في التطلّع إلا ما لا نعلمه من حقائقها وتفصيلاتها، فالله سبحانه وتعالى ذكر لنا في موضعٍ واحد فحسب من القرآن الكريم ما يُثبت لنا تنزّل الكتاب على خليل الله إبراهيم عليه السلام، ذلك هو قوله تعالى: { صحف إبراهيم وموسى} (الأعلى:19)، ولم يقع في أيدينا شيء من هذه الصحف ولا علمنا طرفاً من أخبارها أو شيئاً من محتوياتها، ومع ذلك فإنه لا يسعنا سوى التسليم واليقين بنزولها عاملين بمقتضى الأمر الإلهيّ: { ولا تقف ما ليس لك به علم} (الإسراء:36)، ويُقال مثل ذلك فيما لم يرد فيه من الله خبرٌ كمسألة موطن خروج يأجوج ومأجوج وموعد خروجهم، وبهذا اليقين المنضبط والقائم على التسليم نُجافي مسالك أهل التأويل الذين يحاولون ليّ أعناق النصوص واستنطاقها بما لم تقله ومحاولة ربطها بما يستجدّ من الأحداث ولو لم يكنْ ثمّة رابطٌ حقيقي!.
ومن فوائد الإيمان بهذا الركن إدراك الفرق بين الإرادة الكونية القدرية وبين الإرادة الشرعيّة، وبيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى أراد حفظ الكتب السماويّة السابقة شرعاً ولم يُرده قدراً؛ ولذلك وقع التحريف فيها موافقةً لإرادته الكونيّة القدريّة دون الشرعيّة، ويختلف الأمر فيما يتعلّق بالقرآن الكريم الذي أراد الله سبحانه وتعالى حفظه من التحريف والتبديل شرعاً وقدراً.
وتظهر فضيلة هذه الأمة على من سبقها من الأمم عندما نعلم أن الله سبحانه وتعالى أوكل حفظ الكتب السابقة لأتباع الأنبياء من الأحبار والرهبان، وهذا مذكورٌ في قول الباري عزّ وجل: {بما استحفظوا من كتاب الله} (المائدة:44)، لكنّهم لم يصونوا هذا العهد وما رعوه حقّ رعايته فغيّروا وحرّفوا، وزادوا ونقصوا، فتوعّدهم الله بقوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} (آل عمران:79)، في حين أن الله تعالى تولّى حفظ الكتاب بنفسه فقال:{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9) وكان موقف المسلمين من كتابهم مغايراً للأمم السابقة فحفظوا القرآن بالصدور والسطور حتى ما عاد هناك مجالٌ للتبديل والتغيير فيه.
ونجد أن في إنزال كتبٍ سماويّة في العصور السابقة تثبيتٌ لقلب النبي –صلى الله عليه وسلم-ومن حوله من المؤمنين بأنهم على الحق المبين، وذلك بالمحاجّة لمن أنزلت عليهم الكتب، قال تعالى:{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } (يونس:94)، وفي آية أخرى: {ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} (الرعد:43).
وتتضمّن الكتب السماويّة السابقة شيئاً من البشارات الباقية بنبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم- لتكون دليلاً على صدقه وبعثته، وبمثل هذا كتب الله السعادة لأولئك النفر من الأنصار, الذين قالوا: "تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه"، بل إن بقاء تلك البشارات تُعدّ دليلاً ماديّاً قاطعاً لمن أراد الاستيثاق من حقيقة نبوّته عليه الصلاة والسلام في عصورنا المتأخّرة، وهو ما يُسمّيه علماء الآثار بـ"الدليل الأركيولوجي"، فلا تزال الأيّام تكشف لنا عن جملةٍ من المخطوطات التي جاء فيها ذكر اسم النبي –صلى الله عليه وسلم- وبيان أوصافه وشمائله، وصفات أتباعه والمؤمنين به، وأوصاف المنطقة التي بُعث فيها، في دقّة تُدهش الباحثين، حتى بلغ الأمر بهذه المخطوطات أن ورد فيها ذكر ماء زمزم ووضوء الصحابة ومكّة وغير ذلك.
هذه بعض فوائد الإيمان بالكتب السماوية، وهي فوائد عظيمة وجليلة. ولا ريب أن للإيمان بالكتب السماوية فوائد أخرى لم نأتِ على ذكرها، لكن يمكن أن يستشعرها كل من أمعن النظر وعاش تجربة الإيمان بها
أدعية قرآنية
|
بيت المسلم و بيت العنكبوت معجزة علمية!!
تأملات في أحسن القصص قصة آدم
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. اللهم لا سهل إلا سهلته، ولا يسير إلا يسرته. نسألك علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ورزقًا واسعًا، ويقينًا صادقًا ثابتًا، وعملا صالحًا مرفوعًا متقبلا، وشفاءً من كل داء، وارزقنا الفقه في ذلك الكتاب يا رب العالمين، واجعلنا من أولي الألباب يا أكرم الأكرمين.
إخواننا المشاهدين، أخواتنا المشاهدات: حياكم الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
فالرحلة المباركة الطيبة الميسرة ـ إن شاء الله ـ مستمرة مع قصص هذا الكتاب المبين العظيم، انتهينا بشكل موجز من المقدمات، وهذه الحلقة ندخل في صميم قصص القرآن الكريم، وقصة آدم أول ما تطالعه العين من قصص هذا الكتاب العظيم الكريم.
ومنهجنا في التعاطي مع القصص في هذه الحلقات هو أن نأخذ قصص سورة سورة. كان يمكن أن نأخذ إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ في القرآن كله، نأخذ موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ في القرآن كله، أو نأخذ قصص سورة سورة واخترت أن يكون هذا هو المنهج، أن نأخذ سورة سورة ونستعرض قصص سورة سورة، فنبدأ بقصص سورة البقرة.
أعطيكم فكرة أولا عن سورة البقرة التي تُسمى فسطاط القرآن الكريم. يعني أيه فسطاط؟ يعني الخيمة الكبيرة في هذا المخيم العظيم، هذه الخيمة العظيمة هي سورة البقرة، كل عبادات الإسلام
في سورة البقرة. الصوم لم يرد إلا في سورة البقرة، 286 آية هذه السورة الكريمة، أول سورة نزلت في المدينة المنورة بعد مرحلة الاستخلاف. هذه السورة على طولها فيها الصلاة، والصوم والزكاة والحج، يعني الإسلام كله في هذه السورة، الصوم لم يرد إلا هنا، ولكن على طولها المستغرق ثلاثة أجزاء تقريبًا لها موضوع واحد. نعم، كل سورة كالعنقود لها موضوع واحد، ولله المثل الأعلى ولكلامه، قد نجد عنقود عنب يبلغ اثنين كيلو أو ثلاثة كيلو، ولكنه عنقود واحد، وإن كان فيه أيضًا عناقيد فرعية، هذه السورة وسطها بالضبط الآية رقم 143 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: الآية143) ضمت جناحيها هذه السورة العظيمة على طائفة عظيمة من القصص، استعرضت بعضها في المقدمات لما قلت: أنه هناك تناسق وذكرت أمثلة على هذا التناسق قصص سورة البقرة التي فيه معنى الإحياء بعد الموت إن كنتم لا زلتم تذكرون، و أظنكم تذكرون ـ إن شاء الله تعالى ـ.
أيضًا من ملامح قصص هذه السورة أنه يدور في نطاق بني إسرائيل، جله أو كله في نطاق بني إسرائيل. قلت أن موضوع هذه السورة على اتساعه ورقعتها ومساحتها موضوع واحد هو تربية أمة لا إله إلا الله، تربية أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ الأمة الوسط. لذلك تجد أول السورة (الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4}) آخر السورة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) إذاً مرتين في أول السورة (يؤمنون)، ومرتين في آخر السورة (آمن) يعني كأنه الفعل المضارع أول السورة تطلع إلى الأهداف التي نريد إنجازها من هذه الأمة، آخر السورة فعل
ماضي، الأهداف أُنجزت، مثل آيات الصيام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: الآية183) في أول آيات
الصيام، وآخر آية (لعلكم تتقون) رجع لها من جديد كأنه ما وضعناه نصب العين من أهداف رجعنا نعيده لأنه تحقق وأُنجز وهكذا.
هذه السورة قلت أول سورة نزلت بعد مرحلة الاستخلاف التي أعقبت مرحلة الاستضعاف، ستجد المشهد الوحيد فيه عن آدم (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )(البقرة: الآية30) هذه السورة، ليه؟ لينسجم الاستخلاف مع الاستخلاف، يعني بالعربي استخلاف آدم والكلام عنه ينسجم مع الأمة في مرحلة الاستخلاف، والله شيء عظيم، هذا التناسق العجيب.
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً )(البقرة: الآية124) إذًا جاعل في الأرض خليفة، وهنا يقول إني جاعلك للناس إماما، ولا تنسوا أيضًا أنه في هذه السورة الكريمة (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً)(البقرة: الآية247) ثم عن داوود (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)(البقرة: الآية251) وفي معنى الخلاف والاستخلاف أن هذه السورة كلمتنا عن أمة استخلفت فتخلفت عن شرائط الاستخلاف. أمة بني إسرائيل، تكلمنا عن أمة جاء عليها وقت استخلفت في الأرض لينظر الله تعالى ماذا يصنعون، فتخلفوا عن مواصفات الاستخلاف وشرائط الاستخلاف، فنُزعت الخلافة منهم، وجاء بدلهم أقوامٌ آخرون، وهذه الأمة بالذات لأنه الأرض لله يرثها عباده الصالحون.
ففي هذه الأجواء تأتي قصة آدم، في جو استخلاف الأمة، استخلاف إبراهيم، استخلاف طالوت، استخلاف داوود، استخلاف بني إسرائيل. رأيتم التناسق، ألوان لا تنتهي والله، وأنا ما ذكرته ما هو إلى قطرة من بحر ليس أكثر، أو غرفة من هذا البحر.
على كل حال، هذه فكرة عامة عن سورة البقرة وقصصها، قصصها أغلبه مر معنا مفصلا في الأعراف وغير الأعراف. فهنا جاء بشكل ومضات أو فلاشات سريعة جدًا، فتح ملف أو تقليب صفحات موجز جدًا. لذلك كثير من قصص هذه السورة القصة في آية، أو آية في قصة، يعني موجزة، قصص هذه السورة ومضات سريعة خاطفة، وكلها متعلقة ببني إسرائيل. يعني يا بين إسرائيل ملفاتكم عندنا، لا تتطاولوا على هذه الأمة، ولا تمكروا، وتثبطوا، ولا تقعدوا لها بكل صراط لأنه ملفاتكم معنا، سنفتحها لكم ملف ملف. أنتم الذين فعلتم، أتذكرون اعتدائكم في السبت؟ فاكرين عبادتكم للعجل من دون الله؟ فاكرين لما آذيتم موسى؟ أتذكرون لما أخذتكم الصاعقة، وهكذا ملفات سريعة تقلبها سورة البقرة.
قصة آدم أعدها وهي كذلك ـ إن شاء الله ـ حجر الزاوية في قصص القرآن، وحجر الأساس في قصة هذا الإنسان على هذه الأرض على هذا الكوكب. قصة آدم مهمة جدًا، تعرفنا بأنفسنا ما وظيفتنا، ما نحن، ما نقاط ضعفنا، يعني أنتم شايفين أول امتحان رسبنا فيه في هذه القصة، امتحان المعدة امتحان الطعام. لا تأكلوا من الشجرة، أكلوا من الشجرة، رسبنا، لكن فيه إكمال، فيأتي الصيام في هذه السورة بالذات. يعني أول امتحان رسبنا فيه امتحان الطعام، فأفرض عليكم الصيام حتى تقووا هذه النقطة الضعيفة والجبهة التي يخترقها العدو يجب أن تقووها، كانت فريضة أو ركن الصيام. انسجام لهذا الكلام، ألوان من الهارموني والتناسق عجيبة جدًا. لكن اعمل عقلك يطلع مع من الكنوز الشيء الكثير ـ إن شاء الله تعالى ـ وإياك والإسرائيليات فإنها تعطل ملكاتك، وقدراتك، ومواهبك وعقلك، فإياك، وليه؟ ما تمشي على التحليل بدل ما تمشي على روايات بني إسرائيل و القال والقيل مثل ما قلنا قبل قليل.
إذًا تبدأ قصص السورة الكريمة البقرة بقصة آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وها نلاحظ أنه أُعلن عن الوظيفة قبل الموظف. يعني لسه آدم مش موجود، لكن يُعلن في الملأ الأعلى احتفاءً به،
وإكرامًا له وتهيئة للأجواء لاستقباله. أنت أيها الإنسان الوجود كله يُبشر بك قبل أن توجد،
واسمك يُسمى قبل أن تولد، وظيفتك تحدد قبل أن توجد على الأرض.
(َإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
كيف نتعامل هذا النص الكريم؟ إذ كما تعلمون من اللغة العربية إذ ظرف لما مضى من الزمان. يقول علماء اللغة أنه دائما متعلق بفعل محذوف (اذكر إذ) ولكن (إذ) إذا زادت ألف صارت ظرف لما يُستقبل من الزمان (إذا) إذا جاء نصر الله والفتح.
لكن هنا (َإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
لسنا مع الكاتب ولن نسميه الذي قال: [هذه القصة أو هذا المشهد بالذات يعلمنا الشورى والديموقراطية] يا سيدي خفوا على الناس، ارحموهم، الله تعالى مالك الكون، مالك الملك والملكوت ـ سبحانه وتعالى ـ ما يستشير، أمرنا نحن بالشورى كبشر لأننا ناقصون، أحتاج إلى عقلك وتحتاج إلى عقلي وكلنا محتاجون لبعض. لكن هو الغني، هو القوي، هو العليم المطلق، هو الباقي، وكله ماشي، أيستشير، هداكم الله، نحن نحمل النص فوق ما يمكن أن يحتمل، لماذا؟ وأنا قلت هذا الكلام حتى إذا مر بنا أو صادفناه لا نلقي له بال، ونتجاوز عنه وكأننا لم نتوقف عنده ولم نطلع عليه ولم نقرأه، الله تعالى أمرنا بالشورى أمرًا، ولم يُلمح إليها، لا إنما أنزل لنا سورة اسمها سورة الشورى حتى يربي أمة محمد على الشورى وتتميز بهذه الميزة، التي هي للأسف معطلة في هذا الزمان، على كل حال. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ)
كاف الخطاب لسيد المُخاطبين ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبي وإذ قال ربك، يعني المضاف، فرب مضاف والكاف مضاف إليه، رب النبي يقول له (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ) طيب ربنا يخبرهم ليه ما دمنا قد استبعدنا موضوع الشورى، يخبرهم لأنه سيكون للملائكة مع هذا الخليفة سيكون له وظائف، تسجيل أعماله، توزيع أرزاقه، نصرته، حفظه وحراسته، هناك وظائف، ثم حمل الرسالة له لما يُبعث النبيون فيه بعد شويه؟ يعني هذا الإنسان له وظائف، الملائكة التي لها الارتباط بهذا المخلوق ووظائف مع هذا المخلوق، ولذلك جاء ذكر الوجود لهذا الخليفة قبل وجوده أُعلن به الملائكة. إخبار للعلم وليس للمشورة، يا ملائكة سأجعل في الأرض خليفة، ما معنى خليفة؟ والأرض لولا الإنسان فيها الأرض في الفضاء في الكون صفر، لا شيء، لكنها غدت بهذا المخلوق المتفرد غدت لها قيمة، ولولا هذا الإنسان على الأرض فالأرض لا شيء، ولكنها أصبحت شيئًا كبيرًا وكثيرًا ومهمًا وخطيرًا بوجود هذا الإنسان، ليه؟ ما ميزة هذا الإنسان الذي عمره 60 سنة ولا كم عمره، و60 كيلو وزن، ولكن سبحان الله هذا الإنسان المحدود يقوم بما لم تقم به السماوات والأرض، نعم.
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) واحد، والآية الثانية في سورة الأحزاب
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ}الأحزاب72)
أنت أيها الإنسان حملت أمانة ثقلت على السماوات والأرض والجبال، فما هي الأمانة؟ هل الأمانة هي العبادة؟ خطأ... ليه؟ لأنه العبادة تقوم بها السماوات والأرض والجبال و الذرات كل الوجود محراب للعبادة، فماذا؟ الأمانة هي العبادة بالإرادة، إن لم تذكر كلمة الإرادة فالجواب خطأ. العبادة بالإرادة هي الأمانة، نعم. ولذلك يا سماوات تعبدين باختيار؟ قالت: لا يا رب، أنا أعبد بالتسخير لا بالتخيير، أنا أعبد بالاضطرار لا بالاختيار، أنا هكذا استعداداتي وخليني ماشي مع ملكاتي واستعداداتي. أنت يا إنسان تعبدني باختيارك؟ نعم يا رب، أعبدك باختياري، وهذه عظمة الإنسان يا إخوانا، من هنا نفهم قيمة الحرية، لولا هذه الحرية ما كان لك هذه الأهمية أيها الإنسان.
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
آية عظيمة في الحقيقة، ما معنى خليفة؟ هل هو نائب عن الله؟ معاذ الله، تعالى الله، حاش لجلال الله... ما أحد ينوب عن الله ـ عز وجل ـ فهل هو كما يقول الثيوقراطيون في الأمم الأخرى لما كان يقول الحاكم عن نفسه أنا ظل الله في الأرض، أو أنا نائب عن الله؟ ليس عندنا هذا إطلاقًا، وغير وارد في ديننا أبدًا. وإذا انحرف واحد فالوزر عليه هو يحمله على أكتافه هو، لكن من ديننا لا. هذا الكلام ليس موجودا، إذًا ما معنى خليفة؟ خلائف يخلف بعضهم بعضًا، جيلا جيلا، قوم قومًا، أمة أمة، مثل ما قال هود ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعاد، جعلكم خلفاء من بعد نوح، وصالح يقول لثمود جعلكم خلفاء من بعد عاد، وشعيب يقول لقومه استخلفكم في الأرض، أي من بعد ثمود ومن بعد عاد ومن بعد قوم نوح، يعني يخلف جيل جيلا، يخلف قوم قومًا، أو خليفة يقوم على منهج الله في الأرض ويقيم الأرض على منهج الله ـ تبارك وتعالى ـ وهذا جزء من معنى خليفة.
(قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{30})
نبسط هذه الآية. ليس هذا درسا في التفسير ولكن نسير مع قصص القرآن الكريم وليس موضوعنا درسًا في التفسير، ولكن لا فكاك بين أن نعي القصص وأن نفهم معاني النصوص والآيات. السؤال هنا البديهي والمتبادر إلى الذهن، كيف علم الملائكة أنه سيكون لهذا الجنس من الخلق من يفسد في الأرض ومن يسفك الدماء في الأرض، كيف علموا؟ نعرض الاحتمالات ونستبعد احتمال إلى أن يظل الاحتمال الذي هو لا غير، احتمالات. في الكتب وفي التفاسير والمؤلفات أنه كان الجن قبل الإنس في هذه الأرض، فأفسد الجن في الأرض و سفكوا الدماء. فالملائكة قاسوا مثل ما صنع الجن قبل الإنس سيصنع الإنس من بعدهم إفسادًا وسفكًا للدماء، ولكن أقول هذا الكلام مستبعد واحتمال مردود ومرفوض، لماذا؟ أولا من قال أن الجن كانوا موجودين في هذه الأرض؟ إلا إبليس كان من الجن من حيث السبق الزمني، لا من حيث السبق المكاني على الأرض، فهذا ليس دليلا، القرآن لم يقل، قال إن إبليس كان موجودا قبلنا من حيث الزمان، ولم يكن موجودًا على الأرض قبلنا من حيث المكان. على كل حال فهذا احتمال مردود، ثانيا: في الرد من قال أن الملائكة عندهم العقل بالملكات التي عندنا، يعني عقل يمسك المعلومة ويستنبط ويحلل ويقيس، من قال أنه وظيفة العقل لدى الملائكة هي ميزة العقل الذي أعطانا الله إياه ومنحنا إياه، من قال هذا، فهذا احتمال استبعدناه.
فريق قال: إنما علموا واستنبطوا هذا القول لأنهم استنبطوه واستخرجوه من طينة هذا الإنسان، ما دام أصله من الطين فيشده أصله، وتجذبه جاذبية عنصره وطينته، طيب جذبني عنصري الأرضي، فمن قال انجذابي لعنصر الأرض أنه سيجعلني أسفك الدماء وأُفسد في هذه الأرض، ليه؟ ليس بالضرورة، ثم ثانيًا مثل ما قلت من قال أن الملائكة عندهم العقول التي تستنبط، ولذلك نستخرج هذا الاحتمال.
خلاصة الكلام، الاحتمال الذي هو بمعنى أنه في نظري الضعيف لا يحتمل إلا هو الذي سأقوله الآن ـ إن شاء الله ـ. فأنا في تقديري أنه عندما أخبر الله تعالى الملائكة عن هذا المخلوق القادم قال لهم: هذا لما حصل في الواقع فوق، قال لهم (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وبين قوسين محذوف للذهن والعقل [وجاعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء والصراع سيحتدم بين الفريقين وسأنصر الخليفة على المفسد] فهم سكتوا عن أمر الخليفة واستفسروا عمن يفسد، لأنه يا رب تجعل خليفة يعبد ويصلح ليه؟ سؤال مش وارد، ولكن السؤال الوارد (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) دليلي على ما أقول النص ذاته، فين؟ لما الملائكة قالوا: (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{32}) فمن أين معلومات الملائكة؟ مما يعلمهم الله ـ عز وجل ـ هل لهذا الكلام قياس؟ نعم، له قياس، أين؟ في نفس القصة، أين؟ (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ) وربنا في الأعراف يقوله: (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) يعني كأنه النص لما صدر في الملأ الأعلى في الزمن الأول كان على النحو التالي (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وقلنا لإبليس بين قوسين، وهو محذوف قدره الذهن، اسجد أنت أيضًا لآدم لأنه لا عقوبة إلا بنص، ولا مؤاخذة ولا محاسبة إلا بقانون، فإذا القانون ما نزل الحساب ما يكون، فرب العالمين يقول له (إذ أمرتك) وإبليس يقول لم أكن لأسجد، يعني هو فاهم أنه مأمور، وهكذا فهذه قياسها على هذه أن إبليس كان مأمورا بالنص مع أنه لما سرد النص وقص علينا ما حصل لم يذكر الأمر بالسجود لإبليس احتقارًا له، ولم يذكر أنه وجاعل فيها من يفسد تقديرًا لهذا الإنسان فاكتفى بذكر الخليفة لكن جاء استفسار الملائكة عمن يفسد.
كمان سؤال. (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)
السؤال أليس يفسد فيها متضمنة سفك الدماء، بلى ولكنه خاص بعد عام لأهميته.
أيها الأحباب الدماء عند الله عظيمة جدًا، غالية جدًا، سفك الدم، سفح الدم خطير جدًا، وجريمة هائلة كبيرة جدًا. حرام أن تقع فيها أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حرام أن نعطي عن هذا الوجه الجميل على هذا الدين العظيم صورة قبيحة بما تسفك أيدينا من دماء بعضنا بالباطل والظلم والعدوان، حرام، إياكم وسفك الدماء، الملائكة خائفة من سفك الدماء، فالله الله في الدماء.
هذه بعض معاني قصة آدم في سورة البقرة لكن معانيها غزيرة. أسأل الله تعالى أن نوفق إلى تفكيك الألفاظ لاستخراج الكوامن من الدرر واللآلئ والمعاني من هذا النص الكريم، فإلى الملتقى
بكم بحول الله في حلقة قادمة ـ إن شاء الله ـ سائلين الله لنا ولكم القبول والتسديد والتوفيق
والفضل كله والخير كله يا رب العالمين