الداعية الطائـــــر( دروس وخواطر)
خلق الله البشر من طين وجعل فيهم تباين كبير في الأشكال والألوان والألُسن وجعلهم درجات وجعل الخيرية فيهم بالتقوى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، فلا الأنساب ولا الألوان هي التي تُفضل رجلاً على غيره.
وكما أن التباين في البشر موجود فهو في الدواب والحيوانات والطيور كذلك ظاهر وبيّن ، إذن فما الذي يفضل مثلاً طيراً على آخر ؟
هل القوة ؟ أم المظهر والألوان ؟ أم السرعة ؟
ذكر الله لنا في كتابه الكريم قصة طائر صغير وأثنى عليه فعلمنا من ذلك عِظم شأن هذا الطائر ، فإن الله لا يثُني على شيء في كتابه إلا وهو يحبه لذلك أحببنا الهُدهُد وأتبعنا نبينا صلى الله عليه وسلم فيه لما نهى عن قتله .. فبما نال هذه المنزلة العظيمة من بين كل الطيور ؟
بالهم الذي يحمله .. هم الدين .. هم التوحيد
كانت سبأ بلد عظيمة غنية مليئة بالخيرات وفيها جنتان عن يمين وشمال وفيها الأنهار والقصور والعرش العظيم وكل ما قد يذهب بالأذهان عند رؤيتك له لأول مرة ، قال تعالى عنها (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ) إذن فمن الطبيعي أن من يمر عليها للمرة الأولي ينشغل بكل ذلك ولا يفكر في حال أهلها أو ما هم عليه من الكفر. قياساً على ما نفعله اليوم عندما نزور أحد البلاد الكافرة المتقدمة فلا ننشغل إلا بما لديهم من إمكانيات ولما نرجع لا نحكي إلا ما وجدناه فيها من شوارع ومباني وأسواق وشركات ، أما عقيدة قومها فليس بالأمر الذي يشغل بالنا.
أما الهُدهُد فما انشغل بكل هذه الزينة عن هم الدين ، بل وكأنه لم يرى منه شيء. شق على نفسه أن يرى عبيد لله يسجدون لغير الله!!
قال (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ )
فما الذي يضرك أنت يا هُدهُد إن هم سجدوا لغير الله ؟ فهم ليسوا قومك ولا أنت نبي مرسل لهم ولا أنت محاسب أمام الله عن شركهم فلما تحترق نفسك وتقول (أَلاَّ يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )
إنها الفطرة السليمة ، كل شيء فُطر على التوحيد ، وكل من خالف التوحيد خالف الفطرة السليمة والطبيعية ، فكيف يسجد عاقل للشمس التي هي من مخلوقات الله والتي لا تملك ضراً ولا نفعاً إذ هي مُوكلة ومُسيرة بأمر الله وليس لها أن تطلع أو تغرب من تلقاء نفسها وليس لها أن تعارض أمر ربها.
نعم كل شيء يغار لله ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ) فكيف لا يغار الهُدهُد.
نتعلم من
همة الهُدهُد حيث تكبد المسافات وحمل الهم وبلَغ النبي ونقل الرسالة فكان جزاء ما فعل أن أسلمت بلقيس ملكة سباً فأسلم قومها وهو السبب في إسلامهم بعد فضل الله.
نتعلم من
فقهه ، فأنظر كيف خاطب نبي الله سليمان قائلاً ( أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ) قال بن القيم رحمه الله إن سليمان لما توعد الهدهد بأن يعذبه عذابا شديدا، أو يذبحه إنما نجا منه بالعلم، وأقدم عليه في خطابه له بقوله: { أحطت بما لم تحط به} خبرا "
نتعلم من
حرصه ودقته في نقل الخبر حيث قال ( أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) قال الشوكاني : الإحاطة هي العلم بالشىء من جميع جوانبه ، لذا قال العلماء أن الهُدهُد ما اكتفى بطرف من الخبر بل أجتهد وتابع ولازم ليُلم بالخبر من جميع جوانبه ليكون صادق في نقله بل كله يقين.
نتعلم من
إجلاله واحترامه لنبي الله سليمان حيث قال تعالى ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) دلالة على سرعة قدومه وتحريه ألا يتأخر عن نبي الله بالرغم من أنه في مهمة دعوية عظيمة ولا ننسى أن العلماء هم ورثة الأنبياء فلنحترمهم.
نتعلم من
ذكائه في العرض أنظر كيف بدأ عرضه لما عاينه في سبأ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ) أن تكون المرأة ملكة أمر كان مستبعدا عن الذهن وحتى نبينا صلى الله عليه وسلم قال ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمراة ) فكان من ذكائه أن يشد إليه الأذهان بقوة الخبر الذي يحمله ليلي ذلك في الترتيب ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) حديثه عن نعم الله عليها كمقدمة لما سيقوله بعد ذلك ثم يتحول للنقطة الرئيسية التي أحسن التقديم لها ( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ).
نتعلم من
بلاغة الهدهد في الخطاب وانتقاء الألفاظ حيث قال لسليمان عليه السلام عن ملكة سبأ (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) وهي نفس العبارة التي قالها سليمان واصفاً نعم الله عليه وعلى أبيه ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ).
نتعلم من
غيرة الهدهد على التوحيد حيث أنه لم يكتفي بنقل الخبر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ ) ولكن علق متعجباً بدافع غيرته وقال (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )
نتعلم من
أدب الهدهد حيث أنه سكت وأمتثل لما قال له نبي الله سليمان (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ولم يعترض أو يراجع كلام النبي.
نتعلم من
امتثاله لأمر نبي الله ، (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ) فذهب على الفور وألقاه (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ).
دروس وعبر نتعلمها من ذلك الهُدهُد ، ذلك الداعية الطائر الذي غار على دين الله فرفع الله منزلته وذكره في كتابه وأعلى من شأنه فيا كل لبيب إن كان الهدهد غير مكلف ولا مسئول وفعل ما فعل لأجل الدين فأحرص يا راعاك الله ألا يكون الهُدهُد خيراً منك وأنت مكلف ومسئول .. فالهمة الهمة لرفعة شأن هذه الأمة.
هذا والله أعلى وأعلم
خلق الله البشر من طين وجعل فيهم تباين كبير في الأشكال والألوان والألُسن وجعلهم درجات وجعل الخيرية فيهم بالتقوى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، فلا الأنساب ولا الألوان هي التي تُفضل رجلاً على غيره.
وكما أن التباين في البشر موجود فهو في الدواب والحيوانات والطيور كذلك ظاهر وبيّن ، إذن فما الذي يفضل مثلاً طيراً على آخر ؟
هل القوة ؟ أم المظهر والألوان ؟ أم السرعة ؟
ذكر الله لنا في كتابه الكريم قصة طائر صغير وأثنى عليه فعلمنا من ذلك عِظم شأن هذا الطائر ، فإن الله لا يثُني على شيء في كتابه إلا وهو يحبه لذلك أحببنا الهُدهُد وأتبعنا نبينا صلى الله عليه وسلم فيه لما نهى عن قتله .. فبما نال هذه المنزلة العظيمة من بين كل الطيور ؟
بالهم الذي يحمله .. هم الدين .. هم التوحيد
كانت سبأ بلد عظيمة غنية مليئة بالخيرات وفيها جنتان عن يمين وشمال وفيها الأنهار والقصور والعرش العظيم وكل ما قد يذهب بالأذهان عند رؤيتك له لأول مرة ، قال تعالى عنها (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ) إذن فمن الطبيعي أن من يمر عليها للمرة الأولي ينشغل بكل ذلك ولا يفكر في حال أهلها أو ما هم عليه من الكفر. قياساً على ما نفعله اليوم عندما نزور أحد البلاد الكافرة المتقدمة فلا ننشغل إلا بما لديهم من إمكانيات ولما نرجع لا نحكي إلا ما وجدناه فيها من شوارع ومباني وأسواق وشركات ، أما عقيدة قومها فليس بالأمر الذي يشغل بالنا.
أما الهُدهُد فما انشغل بكل هذه الزينة عن هم الدين ، بل وكأنه لم يرى منه شيء. شق على نفسه أن يرى عبيد لله يسجدون لغير الله!!
قال (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ )
فما الذي يضرك أنت يا هُدهُد إن هم سجدوا لغير الله ؟ فهم ليسوا قومك ولا أنت نبي مرسل لهم ولا أنت محاسب أمام الله عن شركهم فلما تحترق نفسك وتقول (أَلاَّ يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )
إنها الفطرة السليمة ، كل شيء فُطر على التوحيد ، وكل من خالف التوحيد خالف الفطرة السليمة والطبيعية ، فكيف يسجد عاقل للشمس التي هي من مخلوقات الله والتي لا تملك ضراً ولا نفعاً إذ هي مُوكلة ومُسيرة بأمر الله وليس لها أن تطلع أو تغرب من تلقاء نفسها وليس لها أن تعارض أمر ربها.
نعم كل شيء يغار لله ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ) فكيف لا يغار الهُدهُد.
نتعلم من
همة الهُدهُد حيث تكبد المسافات وحمل الهم وبلَغ النبي ونقل الرسالة فكان جزاء ما فعل أن أسلمت بلقيس ملكة سباً فأسلم قومها وهو السبب في إسلامهم بعد فضل الله.
نتعلم من
فقهه ، فأنظر كيف خاطب نبي الله سليمان قائلاً ( أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ) قال بن القيم رحمه الله إن سليمان لما توعد الهدهد بأن يعذبه عذابا شديدا، أو يذبحه إنما نجا منه بالعلم، وأقدم عليه في خطابه له بقوله: { أحطت بما لم تحط به} خبرا "
نتعلم من
حرصه ودقته في نقل الخبر حيث قال ( أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) قال الشوكاني : الإحاطة هي العلم بالشىء من جميع جوانبه ، لذا قال العلماء أن الهُدهُد ما اكتفى بطرف من الخبر بل أجتهد وتابع ولازم ليُلم بالخبر من جميع جوانبه ليكون صادق في نقله بل كله يقين.
نتعلم من
إجلاله واحترامه لنبي الله سليمان حيث قال تعالى ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) دلالة على سرعة قدومه وتحريه ألا يتأخر عن نبي الله بالرغم من أنه في مهمة دعوية عظيمة ولا ننسى أن العلماء هم ورثة الأنبياء فلنحترمهم.
نتعلم من
ذكائه في العرض أنظر كيف بدأ عرضه لما عاينه في سبأ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ) أن تكون المرأة ملكة أمر كان مستبعدا عن الذهن وحتى نبينا صلى الله عليه وسلم قال ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمراة ) فكان من ذكائه أن يشد إليه الأذهان بقوة الخبر الذي يحمله ليلي ذلك في الترتيب ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) حديثه عن نعم الله عليها كمقدمة لما سيقوله بعد ذلك ثم يتحول للنقطة الرئيسية التي أحسن التقديم لها ( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ).
نتعلم من
بلاغة الهدهد في الخطاب وانتقاء الألفاظ حيث قال لسليمان عليه السلام عن ملكة سبأ (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) وهي نفس العبارة التي قالها سليمان واصفاً نعم الله عليه وعلى أبيه ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ).
نتعلم من
غيرة الهدهد على التوحيد حيث أنه لم يكتفي بنقل الخبر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ ) ولكن علق متعجباً بدافع غيرته وقال (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )
نتعلم من
أدب الهدهد حيث أنه سكت وأمتثل لما قال له نبي الله سليمان (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ولم يعترض أو يراجع كلام النبي.
نتعلم من
امتثاله لأمر نبي الله ، (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ) فذهب على الفور وألقاه (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ).
دروس وعبر نتعلمها من ذلك الهُدهُد ، ذلك الداعية الطائر الذي غار على دين الله فرفع الله منزلته وذكره في كتابه وأعلى من شأنه فيا كل لبيب إن كان الهدهد غير مكلف ولا مسئول وفعل ما فعل لأجل الدين فأحرص يا راعاك الله ألا يكون الهُدهُد خيراً منك وأنت مكلف ومسئول .. فالهمة الهمة لرفعة شأن هذه الأمة.
هذا والله أعلى وأعلم
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire